في التسلسل الهرمي للعلاقات، الصداقة تأتي في القعر، فالأهل، الأولاد والشريك يأتون قبل الصداقة، الأمر الذي تُثبته الحياة والعلم على حدٍّ سواء، ولهذا السبب تميل معظم الأبحاث إلى دراسة العلاقات الزوجية والعائلات.
الصداقات هي علاقات فريدة من نوعها لأنها عكس العلاقات الأُسرية، فنحن نختار الأصدقاء وفقاً لمشاعرنا أو نظرتنا للصديق والأمور المشتركة معه. كما تختلف الصداقة عن الإرتباطات الأخرى كالزواج والعلاقات العاطفية، على سبيل المثال لا يمكنك أن تقضي أشهر بدون التكلّم مع شريكك أو رؤيته، إلا من الممكن ان يحصل ذلك مع صديقك.
ومع ذلك، تُظهر استطلاعات الرأي كافة مدى أهمية الأصدقاء لسعادة الأفراد، وعلى الرغم من أنّ الصداقات تتغيّر مع التقدم في السنّ، يتوافق الجميع على ما يريدونه ويحتاجونه من الصداقة.
ويقول بروفسور علم التواصل في جامعة أوهايو، وليام رولينز: “على الرغم من اختلاف الأعمار، سمعت شباب العشرينيات وأبناء السبعين عاماً يشددون على أنهم بحاجة للأشياء نفسها من الصداقة، وهي التكلّم، معرفة أنهم يمكنهم الإعتماد على هذا الصديق، والقيام بالنشاطات والإهتمامات المشتركة من أجل الإستمتاع في حياتهم”.
الطبيعة الطوعية للصداقة تجعلها تخضع لأهواء الحياة لأنها ليست علاقات رسمية ليست. وفي مرحلة البلوغ، عندما ينمو الناس تبقى الصداقات الأكثر احتمالاً لخطر الزوال. فإذا فكرت بالأمر، ترى أنّك عالق كل حياتك مع عائلتك ولا يمكنك التخلّي عنهم، وفي حال أصبحت في علاقة عاطفية تلقائياً إنّك تعطي الأولوية للشريك، إلا الصداقات فهي قابلة للتغيير خصوصاً في حالات الإنشغال بالحياة اليومية.
خلال حياتهم، يكوّن الناس أصدقاء ويحافظون عليهم بطرق مختلفة. بعض الأشخاص مستقلين، يكوّنون أصدقاء أينما يذهبون وعادةً التعريف الأصح هو يصبح لديهم معارف كثيرة، أما بعض الآخر، فيفضلون الصداقات المميزة والطويلة وهي عادةً قليلة، إلا أنّ الإستثمار العميق يعني أنّ خسارة واحد من هؤلاء الأصدقاء ستكون مدمرة. والأشخاص الأكثر مرونة هم الذين يبقون على اتصال مع الأصدقاء القدامى، ويستمرون في التعارف وتكوين صداقات جديدة خلال حياتهم.
بغضّ النظر إن تمسّك الناس بصداقاتهم القديمة أو افترقوا مع الوقت، فإنّ الامر يعود إلى التفاني وطريقة التواصل فيما بينهم. وهذه المهارة في التواصل والتفاهم المتبادل قد تساعد الأصدقاء الإنتقال بنجاح في التغيرات الحياتية التي من الممكن أن تهدد الإستقرار، فالأصدقاء ليسوا بحاجة إلى التواصل في الكثير من الأحيان أو بشكل معقد.
ربما الأصدقاء هم أكثر استعداداً لمغفرة الإنقطاع الزمني الطويلة لأنهم يشعرون بسرعة الحياة بشكل حاد أيضاً. إنّه لأمر محزن، بالتأكيد، أن نتوقف عن الإعتماد على أصدقائنا بشكل كبير عندما نكبر، لكنّه يفتح المجال أمام نوع مختلف من العلاقات القائمة على التفاهم المتبادل. والصداقة هي علاقة من دون شروط، إنها فقط مسألة تواجد عند حاجة لآخرين، الوقوف إلى جانبهم والإستمتاع بالحياة معهم.